أحزابٌ كالنَّعامَة!
■ أحزابُنا تَنهار..
في حالةٍ لا تُحسَدُ عليها..
ورغمَ ما هيّ عليهِ منَ التّردّي، لا يُستَغْنَى عَنها في مُحاولةٍ لبناءِ مُؤسّساتٍ ديمُقراطية.. الديمُقراطيةُ تَنبَنِي على أحزاب.. فهل عندَنا أحزاب؟
إنّ الأحزابَ إذا باغَتَها الفَساد، تُصبحُ كالتُّفاحة التي يَنخُرُها التّسوُّس.. فما العمل؟
عُقلاؤُنا في الداخلِ والخارج، فكّرُوا في مُعالجةِ المَردُودِية الحِزبيةِ منَ الأساس.. وما دامَت غيرَ مُمكِنة، بسبَبِ الفَسادِ المُستَشرِي في جُلّ الأحزاب، فإنّ أمامَنا مَخرَجًا واحِدًا هو إعادةُ تأهيلِ الأحزاب، لكي تتَوفّرَ على ضَرورياتِ المُمارسةِ السياسية..
وهذا يعنِي التّأطيرَ، وفقَ المواصفاتِ المنصور عليها في قانونِ الأحزاب..
■ وما الأحزاب؟
مَجمُوعةُ أشخاص، نساءًا ورِجالاً، يُشكّلون جماعةً خلاّقةً لأفكَار، تسعَى بها لخوضِ الانتخابات، ومِن ثَمةَ تُمارِسُ السّلطةَ السّياسيّة.. وتكُونُ لها قُدرةُ التأثيرِ على السلطةِ الحاكِمة، من خلالِ تنشيطِ الحياة السياسية بواسطةِ كثافةٍ نِضالية، وتَمثِيلياتٍ نيابية في الجماعات المَحلية والبرلمان.. وأيضًا تُؤثّرُ على تَوجيهِ السياساتِ العمومية، نيابةً عن ناخِبيها ومُنتَخَبِيها..
وهذا دورٌ مُهِمٌّ إذا كانت الأحزابُ تتّسِم بالروحِ الوطنية، والضّميرِ المِهَني..
ونَفسُ الأحزاب، إذا فقَدَت هذه القِيّم، تَحَوّلَت إلى وباءٍ ووَبالٍ على كلّ البلد، عن طريقِ عَرقلةِ المَسارِ الديمُقراطِي، والتّنمية، وخلقِ أجواءَ من التّوتُّر الاجتماعي..
وهذا حاصِلٌ عِندَنا، حيث أن الملِكَ والشعب سائِران في اتّجاه، والأحزاب في اتّجاهٍ مُعاكِس.. ولا مجالَ للرّبط بين القمةِ والقاعدة، على مُستوَى المُؤسّسات.. ولا مجالَ للحوارِ بين حكومةِ الأحزاب واليدِ العامِلة، إلاّ بإيصال مَطالبِ الشّعب إلى من يَعنِيهِم الأَمر..
إنها تقُومُ بدَورٍ اتّصالِي بين المَواطنين والسلطة..
تنقُلُ المعلُوماتِ ومَطالبَ الشعب إلى الجهات المُختصّة..
وفي هذا الاتّجاه، وسَواءٌ في المُعارضة أو اليمين أو اليَسار، تُساهِمُ في صُنعِ السياساتِ العامّة للدّولة..
وتقُوم بسنّ القوانين، عن طريق البرلمان، والحدِّ منَ الاستِبداد الحُكومي..
■ وما أحوجَ بِلادَنا إلى أحزابٍ في مُستَوَى تَطلُّعات أُمّتِنا.. فهل عِندَنا أحزابٌ مُؤهّلة لتَوجيهِ الحُكومة إلى المَسار الصّحيحِ القادرِ على تشكيلِ حُكومةٍ لا تَخدُمُ إلاّ المَصلَحة العامّة؟
جُلُّ أحزابِنا لا تَخدُمُ إلا مصالحَها الخاصّة، ومصالحَ زعاماتِها والمُقرّبينَ مِنها..
أحزابُنا خَطّاءةٌ في حقّ قَواعِدِها، وفي حقّ الدولةِ وكُلّ البلد..
ومِن خَطيئاتِها:
▪︎أحزابٌ بدُون توثِيق.. هذا مُشكلُ أرشيف.. اختِفاءُ مَساطرَ داخليةٍ كثِيرة، مِنها الترشيحاتُ للمَناصبِ والمَسؤوليات..
▪︎التّفريطُ في الهُويّة الحِزبية.. حِزبُ تُجّار الدّين، على سبيل المِثال، استَغلّ الخِطابَ الدّينِيّ للتّسلُّق إلى السُّلطَة.. وكذِبَ على الناس.. ولم يُحسِن تسيِيرَ وتدبيرَ الشّأنِ المَحلّي والعمومي.. ووَظّفَ الشّعوذَة..
▪︎لا وُجُودَ إلاّ لذاكرةٍ بَشرية، خلالَ البحثِ عن مراحلِ الانتقالِ من وقتٍ حِزبِيّ لآخَر.. الوثائقُ تضِيع، وفيها وثائقُ شخصية..
▪︎ليسَ للأحزاب أرشيف.. الوثائقُ تضيع.. وتموتُ في مَسيرتِها الذّاكِرة..
▪︎أحزابٌ فاشِلةٌ في تَدبيرِ التّحالُفات.. الأساس في تعامُلاتِها نزاعٌ ومصلَحة..
▪︎وعِندما يظهرُ حزبٌ جديدٌ قَوِيّ، تَستقبلُه أحزابٌ بالجفاءِ وإبداءِ الخطيئة.. إنّ العلاقات الحزبية في ظاهرِها بسَمات، وفي واقعِها تحالفاتٌ وعداوات.. إنها تُمارسُ النّميمة ونقلَ الأخبار من حزبٍ إلى آخر..
▪︎لا تهتمُّ بحُسنِ التّسيِيرِ والتّدبير.. المصالحُ لا تُقضَى إلا بالمُقابل.. وهذه هي العُملةُ المُتداوَلة..
▪︎أحزابُنا مُتشابِهة: في الحملةِ الانتخابية، تتظاهرُ بوَجهِ المَظلوم.. وعندَما تصِلُ إلى الحُكم، تَرتدِي قِناعَ التّبرير: تُبرّرُ انحرافاتٍ إدارية.. وتُدافِعُ عن الظُّلم، من مَوقعِ المسؤولية..
▪︎هي كالنعامة، خلالَ المَصاعب، تُدخلُ رأسَها في التُّراب.. وفي الأوقاتِ المُريحة، تزدادُ تقرُّبًا من السُّلطة، وتُبدِي لها أنها خَدُومَة، وتَبُثُّ إليها خطاباتٍ تُعرِبُ فيها عن حُسنِ النّوايا، وكأنَّ خَصمَهُما واحِد، هو المُجتَمع..
▪︎ثُمّ تَتعَلّمُ كيف تلعبُ دورَ الوسِيط بينَها وبينَ بعضِ الإدارات.. ولكُلّ خِدمةٍ ثَمَن..
▪︎ وتُعَلّمُ بعضَ مُناضِليها كيف تُفرّطُ في قيادةِ الحزب.. وعِندَها يتعاملُ الطرَفانِ على أساس المَصالح.. وهكذا يَنشأُ النّضالُ الحِزبي على الخيانةِ المُتبادَلة..
☆ في تارِيخِنا مُنزَلَقاتٌ قد أساءَت بها أحزابُنا إلى نفسِها، وإلى بَعضِها، وإلى مُؤسّساتِ الدّولة.. وَحانَ الوقتُ لاتّخاذِ قرارٍ بَدِيل: إنشاءُ أحزابٍ أُخرَى، في مُستَوى طمُوحاتِ…
- المَغرِبِ الجَدِيد..
[email protected]